أملأ لحظات الإنتظار بالصلاة على النبي
صدر حديثا في لندن الجزء الأول من سلسلة كُتبٍ تتناول قراءة جماعية في المنَّهج التَّجديديّ للشَّيخ النَّيّل أبو قرون، المُفكّر السّوداني، وربيب التصوّف العرفاني، عبر ما يزيد عن نصف قرن من تأمّلاته الخاصّة، وتدبره العميق، وانشغالاته الكثيفة في فهم النَّص القرآني، ومراجعة ما وصلنا من التراث الإسلامي في الحديث والتفسير والسيرة بكلّ جُرأةٍ، مستنداً في كُتبه إلى ميزانٍ دقيقٍ، سهل في ظاهره كما يبدو، وفي الآن نفسه عميق، وقد يقول قائل إنّ المسلمين جميعاً يستندون إلى ذلك أيضاً، أي قداسة النَّص القرآني، وعصمة النَّبيّ العظيم، لكن القول شيء، والحقيقة شيء آخر، فأطنان الكُتب الَّتي وصلتنا في الفقه والتفاسير والأحاديث والمغازي والسير تُظهر أموراً أخرى، ساهمت في تشتيت الأمَّة، وهجر ترتيل القرآن الكريم وتدبره، وأساءت إلى المسلمين انفسهم فيما نسبوه من الاتهامات الي النَّبيّ الكريم،صلى الله وبارك عليه ووالديه وآله. ويقدم مفتتح الكتاب في سلسلة القراءات هذه ، راي الشَّيخ النيل ابوقرون في أنَّ النصَّ القُرآني مُقدَّس، لكن فهمه غير مقدَّس، وأنَّ ما وصلنا من التفاسير جُهد بشريٌّ قابل للصّحَّة والخطأ، وأنَّه قد يكون وُضع بسبب من ضغوطِ القادة والسَّلاطين، وأهواء الفقهاء والمُفسّرين، وانحيازهم إلى مذاهبهم الضيّقة، والدليل على ذلك وجود ما يزيد عن المائة من كُتب التَّفسير، سواء منها القديم أو حتى ما كتب في هذا العصر، وبالتالي فما دام أنَّها اجتهادات بشريَّة فهي غير مُلزمة، ولا تأخذ قداسة النَّصّ القُرآني نفسه أبداً أمَّا المَسألة الأخرى، فهي ما يتعلَّق بما وصلنا من الأحاديث الشَّريفة، فإنَّه بات من المَعروف أن ما يُسمّى بكتب الصّحاح، قد وضعت في عصور لاحقة على العصر المحمّدي، وضمن ظروف سياسيَّة مُتشابكة، رحل فيها رجال العصر النَّبويّ الأوّل، وقُتل من قتل من آل البيت الكرام ومن الصّحابة المرضيّين، ودخل في الإسلام الكثير من المًنافقين والطلقاء وأعداء الدين، لذلك فإنَّ الاحتجاج بالأحاديث على عواهنها، وقبولها على أساس أنّها صحيحة السَّند، لا يكفي بل لا بدّ من ميزان لتقييمها، وغربلتها، فلا بد من عرضها على القرآن الكريم، فإنْ وُجد أيّ تناقض بين الحديث وما جا في القران،أو وجد فيه طعن في العصمة لا يتمّ الأخذُ بهذا الحديث ابدا. ثم يمكن ايضا غربلتها بعرضها علي عصمة الانبياء السابقين، وأخلاقهم العالية، فإن وجد فيها ما يطعن في مسيرتهم أو يجرح في اخلاقهم لايتم قبولها كذلك.
ويواصل التقديم في كتاب "الاسلام المُغَيّب" منهجية الشيخ النيل ابوقرون في أنَّ كل ما نسب للرسول من قول وفعل وإقرار في حياته ولم يناقض القران وعصمة النبي يجب الأخذ به والتأسي. وكل متتبّع للأحاديث يرى أن كثيراً منها منقولة بصياغات لغوية متباينة، ودلالات متناقضة، وفيها إشكاليات في السند أيضاً، عدا عن المتن، فكيف نأخذها كما هي دون تمحيص أوعرض على القرآن والأخلاق المحمَّدية العظيمة؟ إذا بدأنا بتطبيق هذا المنهج في تمحيص الارث الاسلامي الشائك للعودة إلى المربَّع الأوَّل للإسلام، نُدرك أننا وضعنا أنفسنا على الطريق الصحيح، فقد أدى النَّبيُّ العظيم الأمانة، وبلَّغ الرسالة، فلماذا تفرقت الأمَّة بعده وأصبحت شِيعاً وأحزاباً ومذاهب ما أنزل الله بها من سُلطان، إنْ هي إلا اجتهادات من الفُقهاء والنَّاقلين، لهم أجرهم وعليهم وزرهم، لا عصمة لأحدٍ منهم أبداً، يؤخذ منهم ويُردّ، مهما بلغت ألقاب التفخيم الَّتي أحيطوا بها، مثل شيخ الإسلام، وإمام الأمَّة ..الخ.
لقد عانى الشَّيخ النَّيّل وما يزال من فُقهاء الظلام، وشُيوخ الفتن، والمؤسسات الَّتي تحتكر الدين، وتدعي تمثيلها لله تعالى، لأنَّ منهجه المُحمَّدي الواضح والصريح، والمُستند كما اشرنا على تدبّر القُرآن العظيم وترتيله، أي جمع كل موضوع تضمنه في رتلٍ واحدٍ، والي عصمة النبي الكريم ، يُعيد الأمَّة كلَّها إلى النَّبع الرَّقراق الأصيل لدين الإسلام، الذي هو كافَّة للناس، ودعوة لصالح الأخلاق التي تشيع المحبة والسلام ، ويُريح النَّاس اليوم من حمأة الاختلاف والتحزب والتَّكفير، والتَّقتيل، والشحناء، ومُصادرة حُريَة الفِكر، وينتصرُ لثقافة الحُبّ، والحَياة الفُضلى، والتَّعامل الأخلاقي الراقي بين البشر، دون ظلم ولا ظلامية، وسيجد القارىء لهذا الكتاب الآراء الَّتي وردت في مؤلفات الشَّيخ السابقة، وأفكاره الشَّفويَّة، وتعاليمه المُباشرة للأحباب والتلاميذ المُقرَّبين، سواء في الدّين أو تفاصيل الحياة، ولعل من يُطبق منهجه السهل هذا يجد في نفسه راحةً أكيدةً، ويُصبح تعامله مع النَّاس من حوله إيجابياً، ومع ربّه يكون مُرتاحاً عبر العبادة التي تقوم على الحبّ، لا عبادة التَّجار بحثاً عن مكافأة ماديّة، ولا عبادة العبيد الَّتي تقوم على الخوف من العِقاب، وقد قال مرَّة في إحدى قصائدة "وكلُّ عبادةٍ تُؤتى بلا حُبّ فإتيانها ذنبٌ ما بعده ذنب".
إنّ البشرية اليوم أحوجُ ما تكون لمِثل هذا المَنهج المُحمَّدي الذي تمَّ تغييبه طويلاً، وتوقف تطبيقه – بكلّ أسف – بعد رحيل النَّبي الكريم مباشرة لاسباب يطول شرحها ، إذ تمَّ اختطاف الدّين الحَّقيقيّ، وحبسه في غياهب التاريخ والجُغرافيا والتَّطرُّف، لصالح إقامة دولة سياسية قومية ودكتاتوريَّة ووراثيَّة لاحقاً، علي أساس انها تمثل "الخلافة الراشدة" ولقد كان القرآن الكريم واضحا في تحذير "الذين أمنوا" من أتباع النبي الكريم من الانقلاب علي رسالته.إذ تمّ تحييد النَّبيّ، أي فصل الرّسالة عن الرَّسول، لا بل الإساءة إليه وإلى أهل بيته وتعاليمه فيما وصلنا من مرويات حتي لاتميل القلوب لمحبته ،لكي يصبح النبي مثل الاخرين من اتباعه يصيب ويخطئ كما أشيع ان دوره قد انتهي بعد موته أو قتله. وقد آن الأوان أن تستيقظ البشريَّة على معرفة الحّقيقة المُحمَّديَّة السامية، ذات التَّعاليم الأخلاقيَّة العالية ، وتأخذ بهديها، وتعيد تفعيلها في العالم كله.
والذي نراه ان هذا المنهج مفتوح للناس كافة، لايمكن وضعه في حزب ضيق ليمثله،ولاحشره ضمن مذهب معين مغلق،ولا جماعه سريه حتي يكون مخفيا، ولا يؤمن يتبناه بان نشره يكون بالقوة او بقتل الناس ابدا، فالحق يحمل قوته وانواره في داخله لذا يكون جاذبا بطبعه ، ومن يتبني مكارم الاخلاق ينسجم مع البشرية جمعا في الانتصار للانسان، والاعلاء من قيم الخير والسلام والمحبة بين الجميع، ويكون متصالحا مع مكونات الحياة الاخري من حيوانات وجمادات ونباتات، ومع المجتمعات التي يعيش فيها حتي وإن لم تكن تتبني رسالة سماوية،إذ ان المواطنة والقوانين المرعية في هذه الدول او المجتمعات كفيلة بحفظ سلامة الناس في انفسهم وممتلكاتهم وتنظيم معاملاتهم،وبالتالي فانها توفر الحد الادني من القيم والاخلاق،ويجب احترامها. فكتاب الاسلام المُغَيّب( منهج الشيخ النيل ابوقرون لفهم الاسلام المحمدي) الذي سيكون متاحا للتحميل الالكتروني خلال ايام عبر موقع الشيخ النيل ابوقرون ومواقع اخري ، جاءت موضوعاته مُباشِرة و بعباراتٍ واضحةٍ، وأسلوب رشيق حتَّى لا يتمّ الإثقال عليه باللغة ومحسناتها البديعية او بالاسلوب الرمزي، ولكي يصل إلى المعاني مباشرة، إذ لا تحتمل الموضوعات الكثير من التَّأويل أو التَّقويل، وحتَّى لا يتدخَّل "فُقهاء المستقبل" في تأويلها بطريقتهم، فإن شاء القارىء الاستزادة في موضوع مُعيَّن، سيجد كُتب الشَّيخ مُفصَّلة وشارحة، وإن شاء الاكتفاء بما في هذا الكتاب، فإنَّ فيه الزاد الكثير، والمَعنى الوفير، والإشارات الوافية، والعبارات الكافية لكل من فتح قلبه للمعرفة وعقله للتدبر.